عندما نتحدث عن أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال، غالبًا ما يتبادر إلى الذهن ضيق الصمام الرئوي باعتباره واحدًا من أشهر هذه المشكلات. لكن في بعض الأحيان، لا تكون المشكلة مقتصرة على الصمام وحده، بل تمتد إلى الشرايين الرئوية التي تنقل الدم من القلب إلى الرئتين. هذه الشرايين قد تكون ضيقة أو حتى مسدودة جزئيًا، ما يجعل رحلة الدم نحو الرئتين أصعب، وبالتالي تقل كمية الأكسجين التي تصل إلى جسم الطفل.
إنها مشكلة صعبة، لكنها لم تعد مستحيلة الحل.
الشرايين الرئوية… الطريق نحو التنفس الطبيعي
لنتخيل معًا أن القلب هو محطة مركزية تضخ الدم، وأن الرئتين هما المكان الذي يحصل فيه الدم على الأكسجين. ما بين المحطة والمكان، هناك طرق هي الشرايين الرئوية. فإذا كانت هذه الطرق ضيقة، فإن الدم لن يتمكن من الوصول بسلاسة، والنتيجة: إرهاق شديد، صعوبة في التنفس، وتأخر في النمو بالنسبة للطفل.
هنا يبرز الدور المهم للتقنيات الحديثة في طب القلب التدخلي، وعلى رأسها التوسيع بالبالون وتركيب الدعامات.
التوسيع بالبالون… نفس جديد
تمامًا كما يحدث مع ضيق الصمام الرئوي، يمكن استخدام البالون لتوسيع الشرايين الرئوية. يتم إدخال بالون صغير عبر قسطرة دقيقة حتى يصل إلى الشريان الضيق، ثم يُنفخ ليفتح الطريق أمام الدم. العملية دقيقة للغاية، لكن نتائجها قد تكون مبهرة: تدفق أفضل للدم، تنفس أسهل، وحياة أكثر راحة للطفل.
الدعامة… حارس الطريق
لكن ماذا لو كان الشريان معرضًا للانكماش مرة أخرى؟ هنا يأتي دور الدعامة.
الدعامة هي عبارة عن شبكة معدنية صغيرة، تُزرع داخل الشريان لتعمل كسند يمنعه من العودة إلى الضيق. يمكن تشبيهها بجسر معدني يحافظ على الطريق مفتوحًا مهما كانت الضغوط.
الدكتور عبد الرحمن العفيفي، استشاري ورئيس قسم قلب الأطفال بمركز الدكتور مجدي يعقوب، يوضح أن تركيب الدعامة أصبح إجراءً أساسيًا في كثير من الحالات التي تعاني من ضيق متكرر أو شديد في الشرايين الرئوية. ويؤكد أن الخبرة الدقيقة للفريق الطبي تلعب دورًا حاسمًا في تحديد متى نكتفي بالبالون ومتى نلجأ للدعامة.
إنقاذ حياة بمعنى الكلمة
هذه الإجراءات ليست رفاهية طبية، بل إنقاذ حياة بالمعنى الكامل. فكل شريان يُفتح هو نافذة جديدة للهواء، وكل دعامة توضع هي جسر جديد نحو مستقبل أفضل.
الأطفال الذين كانوا يعيشون بقدرة محدودة على الحركة بسبب ضيق الشرايين، يعودون بعد هذه الإجراءات إلى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي: يلعبون، يجرون، ويتنفسون بارتياح. إنها تفاصيل صغيرة لكن تأثيرها كبير على الأسرة كلها.
الأمان والفعالية
قد يتساءل البعض: هل هذه الإجراءات آمنة؟
الإجابة هي نعم، إلى حد كبير. فهي تُجرى عن طريق القسطرة، أي من خلال فتحة صغيرة دون الحاجة إلى جراحة كبيرة. نسبة النجاح عالية، والمضاعفات قليلة مقارنة بالجراحات التقليدية. والأهم أن الطفل يتعافى سريعًا، ويعود لحياته خلال وقت قصير.
بين العلم والرحمة
ما يميز عمل الدكتور عبد الرحمن العفيفي وفريقه ليس فقط استخدام أحدث التقنيات، بل النظرة الإنسانية التي ترافق كل إجراء. فالمسألة ليست مجرد بالون أو دعامة، بل هي قلب صغير يحتاج إلى فرصة ليعيش حياة كاملة.
وهكذا، يصبح التوسيع بالبالون وتركيب الدعامات أكثر من مجرد علاج… إنهما رسالة أمل لكل أسرة، بأن المستقبل يحمل لأطفالهم فرصة جديدة للتنفس بحرية والحياة بطمأنينة.
تابعونا على صفحة الفيسبوك لمتابعة كل جديد وأحدث المعلومات