قد تبدو الحمى الروماتيزمية في بدايتها كمرض حاد عابر، لكنها في واقع الأمر قد تكون “قنبلة موقوتة” تهدد قلب الإنسان، وخصوصًا الأطفال والمراهقين. وفي كثير من الحالات، لا تظهر الأعراض القلبية إلا بعد فوات الأوان، حيث تكون الصمامات القلبية قد بدأت في التدهور. فما الذي يحدث بالضبط؟ وكيف يؤثر هذا المرض المناعي على عضلة القلب وصماماته؟
فهم العلاقة بين الحمى الروماتيزمية والقلب:
الحمى الروماتيزمية ليست مرضًا فيروسيًا أو بكتيريًا مباشرًا للقلب، بل هو رد فعل مناعي ذاتي، إذ يهاجم جهاز المناعة الجسم نفسه بعد الإصابة بالبكتيريا العقدية. وعندما يصيب الهجوم المناعي القلب، تحدث التهابات في الطبقات القلبية الثلاث (التامور، العضلة، وبطانة القلب)، لكن أخطرها هو التهاب بطانة القلب الذي يهاجم الصمامات.
ما الذي يحدث لصمامات القلب؟
الصمامات – وخاصة الميترالي (بين الأذين والبطين الأيسر) والأورطي – تتعرض لهجوم مستمر من الأجسام المضادة، مما يؤدي إلى:
- سماكة الصمامات
- التصاق أطرافها
- تليف الأنسجة
- ضعف قدرتها على الفتح والإغلاق
هذا التلف يؤدي إلى:
- الارتجاع (عودة الدم للخلف بسبب عدم الإغلاق الكامل)
- التضيق (ضيق الفتحة، مما يصعّب مرور الدم)
الفرق بين التأثير الحاد والمزمن:
- في المرحلة الحادة: يظهر التهاب حاد للقلب يصاحبه حمى وألم في الصدر وتغيرات في ضربات القلب.
- في المرحلة المزمنة: يحدث تلف دائم في الصمامات، يظهر على هيئة ضيق تنفس، تورم في الأطراف، خفقان مستمر، وقد ينتهي بـ فشل قلبي مزمن.
أبرز الأعراض القلبية التي تظهر على المريض:
- ضيق تنفس عند الجهد البسيط
- خفقان أو اضطراب في ضربات القلب
- ألم أو ضغط في الصدر
- التعب العام
- سعال مستمر
- تورم القدمين والكاحلين
- زرقة في الشفاه أو أطراف الأصابع
كيف يتم الكشف عن التأثير القلبي؟
- الفحص السريري: سماع لغط قلبي مميز عند استخدام السماعة.
- رسم القلب (ECG): يكشف عن عدم انتظام النبض.
- الموجات فوق الصوتية (Echo): الفحص الأهم، حيث يُظهر:
- مدى تلف الصمامات
- كفاءة ضخ القلب
- وجود ارتجاع أو تضيق
- الأشعة السينية: تكشف عن تضخم في حجم القلب أو احتقان بالرئتين.
- تحاليل الدم: ارتفاع معدل الترسيب (ESR) والبروتين التفاعلي (CRP) يعكس وجود التهاب نشط.
لماذا صمام الميترال هو الأكثر تضررًا؟
لأنه الصمام الأول الذي يتلقى ضغط الدم من الرئة، وأكثر الصمامات حساسية لأي تغير في المناعة أو الالتهاب، لذا فإن 60% إلى 70% من حالات الحمى الروماتيزمية التي تُسبب تلفًا في القلب تؤثر عليه أولًا.
هل يمكن إصلاح ما تسببه الحمى الروماتيزمية للقلب؟
ذلك يعتمد على مرحلة التشخيص:
- في المراحل المبكرة: يمكن علاج الالتهاب بالأدوية ومنع التدهور.
- في المراحل المتقدمة: قد يحتاج المريض إلى تدخلات قسطرة أو جراحات استبدال الصمامات.
التأثير طويل المدى إذا أُهملت الحالة:
- فشل القلب الاحتقاني
- ارتفاع ضغط الشريان الرئوي
- الرجفان الأذيني (اضطراب نبضات القلب)
- تكوّن جلطات
- الوفاة المفاجئة في حالات متقدمة
كيف نحمي القلب من هذا المصير؟
- تشخيص التهاب الحلق مبكرًا وعلاجه بالمضادات الحيوية (خاصة البنسلين)
- متابعة المريض بعد الإصابة بالحمى الروماتيزمية لفترة طويلة (تصل إلى 10 سنوات)
- المتابعة الدورية بالقلب وإجراء الأشعة اللازمة
- العلاج الوقائي (Penicillin prophylaxis) لمنع تكرار الهجمات
الحمى الروماتيزمية هي أكثر من مجرد مرض حاد… إنها تهديد حقيقي للصحة القلبية إذا لم تُؤخذ على محمل الجد. الصمامات القلبية التي تتعرض للتلف بسبب هذا المرض قد لا تعود إلى طبيعتها أبدًا، لذا فإن الوقاية والتشخيص المبكر يظلان حجر الزاوية لحماية قلوب الأطفال من مضاعفات قد تُلازمهم مدى الحياة.
عن الدكتور عبد الرحمن العفيفي
استشاري قلب الأطفال ورئيس قسم الأطفال بمركز الدكتور مجدي يعقوب للقلب
يُعد الدكتور عبد الرحمن العفيفي من أبرز الأسماء في مجال طب قلب الأطفال في مصر والعالم العربي، بخبرة تمتد لما يقرب من 20عامًا في تشخيص وعلاج العيوب الخلقية في القلب لدى الأطفال وحديثي الولادة.
يتميّز بتخصصه الدقيق في استخدام تقنيات قسطرة القلب العلاجية والتشخيصية، ويقود فريقًا طبيًا متخصصًا في رعاية الأطفال المصابين بأمراض القلب الخلقية في أحد أهم مراكز القلب في الشرق الأوسط.
له إسهامات علمية متعددة، وشارك في عدد كبير من المؤتمرات الدولية، ويُعرف بأسلوبه المبسط في شرح الحالات الطبية المعقدة للأهل، مما يخلق جسرًا من الثقة والدعم بين الطبيب والأسرة.
لديه خبرة كبيرة في تشخيص وعلاج أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال، يُعد الدكتور عبد الرحمن العفيفي واحدًا من أبرز الأسماء في طب قلب الأطفال في العالم العربي. يشغل حاليًا منصب رئيس قسم الأطفال في مركز الدكتور مجدي يعقوب للقلب بأسوان، ويقود فريقًا طبيًا متخصصًا في تقديم أحدث ما توصل إليه الطب في مجال قسطرة القلب والعلاجات التداخلية الدقيقة للأطفال وحديثي الولادة.
يجمع الدكتور العفيفي بين الكفاءة الإكلينيكية العالية، والاهتمام العميق بالبحث العلمي والتدريب، حيث ساهم في تدريب العشرات من أطباء الأطفال على التشخيص المبكر لعيوب القلب الخلقية، مع تركيز خاص على الاستخدام المتقدم لتقنية الإيكو القلبي والعلاج بالقسطرة كبديل فعال للجراحة في كثير من الحالات.
وإلى جانب عمله الإكلينيكي، يُعرف الدكتور العفيفي بتواصله الإنساني العميق مع الأهل، وحرصه على تبسيط المعلومات الطبية وتقديمها بلغة مفهومة تساعدهم على اتخاذ قرارات واثقة في رحلة علاج أطفالهم.
تابعونا على صفحة الفيسبوك لمتابعة كل جديد وأحدث المعلومات